ليلة القدر اختص الله سبحانه وتعالى أمة الإسلام بفضائل عديدة، وميزها عن باقي الأمم السالفة بأن جعلهم أمًة وسطًا، وبعث فيهم رسولًا منهم أتم الله به النعمة، وأزال الله به الغمة، وجعل لهم في أيام دهركم نفحات ربانية يكون فيها البركة في العمر، والسعة في الرزق، واختصهم ببركة العمل على الرغم من قصر أعمارهم، وأرشدهم لفعل ذلك في أيام، وليالي معينة يتجلى الله فيها على عبادة يرفع درجاتهم، ويمحو سيئاتهم، ومن هذه الليالي كريمة المنزلة عظيمة الشأن ليلة القدر فقد أنزل الله فيها قرآنًا يتلى إلى قيام الساعة، وسمى سورة باسمها، وسماها سورة القدر فهيا بنا نتعرف على ماهيتها، وميقاتها، وكيف ندركها.

ليلة القدر والدعاء المستحب

ليله القدر هي ليلة من ليالي شهر رمضان جعلها الله عز وجل من جوائز صيام الشهر المبارك، وقد خصها الله عز وجل بهذه المنزلة لعدة أمور حتى يسعى ، ويجتهد ذوي الهمم الربانية في إدراكها.

نزل فيها القرآن الكريم على سيد المرسلين فكانت هذه الليلة أولى بشارات السماء لتخرج الناس من ظلمات الضلالة إلى نور الهداية.

تتنزل فيها ملائكة الرحمن على عباده يغشونها بالرحمة، ويسجلون من أدركها، ويستغفرون لعباد الله الصالحين.

يتجلى فيها رب العزة جل، وعلا إلى السماء الدنيا فيرى عباده طائعين له متذللين له فيباهي بهم ملائكته ويقول لهم أشهدكم أني قد غفرت لهم.

جعل الله أجر العمل، والعبادة فيها ما يعادل أجر ألف شهر مما سواه.

شاهد أيضا:علامات ليلة القدر الصحيحة وفضل العشر الاواخر من شهر رمضان

أقوي دليل لوجود ليلة القدر

اثبت الأدلة القطعية من كتاب ربنا، وفي السنة النبوية الصحيحة، وما وافقته من المشاهدات الصادقة من الصالحين الصادقين الذين أدركوها، وتنعموا بها

قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[القدر: 1].

نزل فيها القرآن الكريم لقول تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾[الدخان: 3] وهي ليلة القدر.

دلت عليها الأحاديث النبوية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قام ليلة القدر إيمانًا، واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)

شاهد أيضا:فضل ليلة القدر وعلاماتها وأهم الأعمال المستحبة

وقت الليلة

ليلة القدر اختلف في تحديها العلماء، والمفسرون، ولكنهم اتفقوا على أنها ليلة مخفية في ليالي العشر الأواخر من رمضان.

دل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (التمسوها في العشر الأواخر، فالتمسوها في كل وتر)

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بدأت العشر الأواخر من رمضان شد مئزره، وأيقظ أهله، وأحيا ليله.

بعض العلماء ذهب إلى أن وقتها في الليالي الوترية في الثلث الأخير من رمضان.

البعض الآخر من العلماء إلى أن ليس لها وقت محدد فيه متنقلة في الليالي الفردية، أو الزوجية.

سبب تسميتها

  • ورد في سبب تسميتها بليلة القدر الكثير من الأقوال عن العلماء، والفقهاء نذكر أهمها.
  • القدر أي المكانة العظيمة، وعلو المنزلة.
  • يقدر فيها الأرزاق، والأعمار، والأقدار في العام التي فيه.
  • القدر يعني التضييق في معرفة وقتها.

العبرة من عدم تحديد وقتها

اجتهد علماء الدين في كل وقت في شرح علة إخفاء الله سبحانه، وتعالى ليلة القدر، وجعلها غير محددة بوقت، وذلك تشجيعًا لعباده، وحثهم على الاجتهاد بالطاعة طوال العشرة الأخيرة من رمضان، وألا يقتصر اجتهادهم في ليلة بعينها دون غيرها حتى لا يركنوا للكسل، ويملوا الطاعة، لذا وجب على المسلم التفاني في طلبها، والمثابرة على الطاعة فيها حتى لا يفوتهم الخير الكثير.

الأعمال المستحبة فيها

ورد في السنة النبوية كثير من الأعمال التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم، والتي نقلها عنه الصحابة رضوان الله عليهم هذه السنن التي تقرب العبد من ربه حتى يفوز في أخراه.

كثرة الدعاء، والاستغفار، والذكر، والتسبيح، والتهليل، والتحميد فالدعاء مستجاب في هذه الليلة.

الاجتهاد والمثابرة والتسابق في العبادة، فيأتي الثواب على قدر المشقة في العبادة.

صلاة القيام والتهجد في هذه الليلة المبارك من الأعمال التي يجب على العبد أن ينشغل بها لما كان يفعله المصطفى صلى الله عليه وسلم فيها، وتكون فيها الركعات اثنتين لأن قيامها يغفر الذنوب، ويرفع الدرجات.

قراءة القرآن بخشوع وتدبر، وحسن الاستماع لتلاوة الإمام في القيام، والتهجد، ويستحب أن يختم القرآن في هذه الليلة.

علامات إدراكها

  • هناك علامات عينية ظاهرة يراها من يدركها، وعلامات روحية يشعر بها المؤمن.
  • السماء فيها صافية، والنجوم متراصة متلألئة فرحة بهذه الليلة المباركة.
  • الجو فيها معتدل لا بارد، ولا حار، ونسيمها عليل.
  • الشمس تطلع بعد هذه الليلة كالبدر في تمامه لا شعاع لها، وهذه علامات ظاهرية.
  • تسود السكينة، والطمأنينة قلوب المؤمنين الخاشعين، ويجدون راحة في القلب ونشاطًا، وتلذذًا في العبادة لا يدركونه في ليلة غيرها، وهذه علامات روحية.

الدعاء المستحب

يستحب الإكثار من الدعاء في ليلة القدر فهي ليلة عظيمة يحب الله أن يرى عباده متضرعين إليه رافعين أكفهم طالبين عفوه، وغفرانه متذللين له طلبًا إحسانه، وخير الدعاء ما ورد عن النبي العدنان صلى الله عليه وسلم ( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا) أو ما تيسر لك من دعاء الصالحين العارفين (اللهمَّ إنِّي أسألُكَ مِنَ الخيرِ كلِّهِ عَاجِلِه وآجِلِه ما عَلِمْتُ مِنْهُ وما لمْ أَعْلمْ، وأعوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كلِّهِ عَاجِلِه وآجِلِه ما عَلِمْتُ مِنْهُ وما لمْ أَعْلمْ، اللهمَّ إنِّي أسألُكَ من خَيْرِ ما سألَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ ونَبِيُّكَ، وأعوذُ بِكَ من شرِّ ما عَاذَ بهِ عَبْدُكَ ونَبِيُّكَ، اللهمَّ إنِّي أسألُكَ الجنةَ وما قَرَّبَ إليها من قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ، وأعوذُ بِكَ مِنَ النارِ وما قَرَّبَ إليها من قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ، وأسألُكَ أنْ تَجْعَلَ كلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لي خيرًا).

نصائح ما بعد ليلة القدر

  • الالتزام بما عاهدنا الله عز وجل عليه، وعدم العودة لما يغضبه بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.
  • بليلة القدر يكون التسابق، والمنافسة على فعل الطاعات قد اقترب من نهايته فهنيئًا للفائزين فهي تشعل فينا روح المنافسة حتى ما بعد رمضان فهنيئًا لمن جعلها منهاجًا له في حياته.
  • الاجتهاد في العبادة بعد رمضان دليل من تقبل منهم أعمالهم وطاعتهم في ليلة القدر.
  • ترك العامل الصالح، واتباع الشيطان دليل عدم القبول، والخزي من الله.
  • تجديد التوبة، والرجوع إلى الله بعد كل ذنب.

وختامًا نكون قدر علمنا أن الله قد أنعم على عباده في هذا الشهر الكريم بأن جعل فيه ليلة من أدركها أدرك الخير كله، و أخفاها الله عن عباده حتى يجتهدوا في طلبها، ويرى فيها المخلصين الطائعين تتنزل فيها الملائكة بإذن ربهم ويتجلى فيها الله على عباده فهي سلام حتى طلوع الفجر اللهم بلغنا ليلة القدر، وأنزله منازل الفائزين، وأقر أعيننا بجنة النعيم.